معارك تينزواتين.. تنتقل من حرب ميدانية إلى حرب دبلوماسية

انتهت معارك تينزواتين التي استمرت 3 أيام أواخر يوليو الماضي، بين الجيش المالي مدعوما بمجموعة “فاغنر” الروسية، والحركات المسلحة الأزوادية، لكن تداعياتها لم تنته بعد، حيث ألقت بظلالها على التنافس الروسي الأوكراني بالمنطقة.

فقد تسببت هذه المعارك في قطع علاقات مالي مع أوكرانيا، وتضامنا مع باماكو، قطعت نيامي كذلك علاقاتها مع كييف، واستدعت الخارجية السنغالية السفير الأوكراني لديها احتجاجا على تأييده في فيديو نشرته صفحة السفارة على “فيسبوك” القوات المسلحة الأزوادية.

وكان من تداعيات هذه المعارك كذلك، طرد الحكومة المالية سفيرة السويد كريستينا كونيل، احتجاجا على إعلان وزير التعاون الدولي في مجال التنمية والتجارة السويدي يوهان فورسيل، أن حكومة بلاده قررت الإلغاء التدريجي لمساعداتها المخصصة لمالي، بعد قطعها العلاقات مع أوكرانيا.

وتعود أسباب كل هذه التداعيات، إلى إعلان أندريه يوسوف المتحدث باسم وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، أن بلاده قدمت معلومات استخباراتية للقوات الأزوادية، أسهمت في خوضها “عملية ناجحة” ضد القوات الروسية.

وقد اعتبرت مالي هذا التصريح بمثابة دعم أوكراني “للإرهاب الدولي”، وعلى إثر ذلك قطعت العلاقات مع البلاد، وفتحت تحقيقا قضائيا في تصريحات المسؤول الأوكراني بوكالة الاستخبارات، وسفير كييف بداكار، مؤكدة أنها “تشكل أعمالا إرهابية ودعوة للإرهاب”.

كما قررت الحكومة المالية كذلك إرسال تنبيه رسمي إلى الهيئات الإقليمية والدولية، وإلى الدول التي تدعم أوكرانيا، وإبلاغها بأن هذا البلد “قد أظهر دعمه للإرهاب بشكل علني”.

وفي مقابل هذه الخطوات التصعيدية، نفت أوكرانيا كل التهم الموجهة إليها، وأكدت التزامها ب”معايير القانون الدولي وحرمة سيادة الدول وسلامة أراضيها”، واعتبرت خارجية كييف في بيان لها قرار باماكو قطع العلاقات معها “قصير النظر ومتسرعا”، وأن البلاد “دعمت بنشاط حق الشعوب الإفريقية في الاستقلال وإنهاء الاستعمار، بما في ذلك في جمهورية مالي”.

ومن جانبها اتهمت روسيا، أوكرانيا بفتح “جبهة ثانية” في إفريقيا، عبر دعمها “جماعات إرهابية”، وهو ذات الموقف الذي تبنته حليفتها مالي.

وتعني هذه التطورات مجتمعة أن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ فبراير 2022، لم تعد تقتصر إفريقياً على الأمن الغذائي، أو على الجانب التعليمي من خلال مغادرة آلاف الطلاب الأفارقة مختلف المدن الأوكرانية، وتأثير ذلك على مستقبلهم الدراسي، وإنما باتت هناك تداعيات أخرى مباشرة، تتمثل في التنافس السلبي على الدول الإفريقية غير المستقرة، ودعم كل من موسكو وكييف طرفا مختلفا.

ومن الواضح أن معارك تينزواتين التي أعلنت القوات الأزوادية “الانتصار فيها”، لم يكن ما حدث نهاية يوليو سوى جولة أولى منها، حيث أعلنت النيجر وبوركينا فاسو حليفتا مالي، التدخل عسكريا لصالحها، وقد قصفت طائرات تابعة لهذين البلدين موقعا للتنقيب عن الذهب في المنطقة الواقعة بالقرب من الحدود المالية الجزائرية.

وبالتالي فإنه لا يستبعد أن تتجدد المعارك لاحقا، وتكون شبيهة بتلك التي خاضها الجيش المالي ضد القوات الأزوادية من أجل استرجاع مدينة كيدال، حيث ساعده عسكرياً جيشا النيجر وبوركينا فاسو، ولكن الجديد أن المجموعات المسلحة الأزوادية قد تكون هذه المرة مدعومة أوكرانياً.

وفي حال حصل ذلك، فإن حرب مالي الداخلية ستتحول إلى حرب بالوكالة من أطراف خارجية إقليمية ودولية، وحينها ستكون هناك حسابات معقدة، وقد نشهد المزيد من قطع العلاقات الدبلوماسية وطرد السفراء، وقطع المساعدات الإنمائية والإنسانية.

إن الدول الإفريقية الحليفة لروسيا بمنطقة الساحل، ستجعل من معارك تينزواتين وسيلة لتعزيز التموقع ضد خصوم موسكو، وهي أوكرانيا بالدرجة الأولى، ولكن أيضا حلفاءها الغربيين خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الأوروبية.

وبالمقابل ستعزز هذه الدول علاقاتها بحلفائها الجدد، كالصين، وتركيا، وإيران، وهذا يجعل واقع ما قبل معارك تينزواتين يختلف عما بعده.

محفوظ ولد السالك صحافي وباحث متخصص في الشؤون الإفريقية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى