في العام 2019 أطلقنا في تنظيم من أجل موريتانيا مرصدا لمراقبة الانتخابات، وكان ذلك تفعيلا لإحدى توصيات مؤتمر التناوب السلمي على السلطة، وهو المؤتمر الذي كنا قد نظمناه في تلك الفترة وبحضور نوعي ومعتبر.
شرفني الزملاء في التنظيم باختياري لرئاسة هذا المرصد، والذي كان تمويله ذاتيا متحصلا من بعض تبرعات أعضاء التنظيم، وقد تمكن هذا المرصد وفي فترة وجيزة جدا من تحقيق النتائج التالية :
1 ـ تكوين ما يزيد على 120 مراقبا؛
2 ـ إطلاق ميثاق شرف انتخابي، وقعه جميع المترشحين في رئاسيات 2019 باستثناء المترشح بيرام، والذي قال بأنه لن يوقع الميثاق إلا إذا حُذفت منه النقطة الثانية، والتي يرى بأنها موجهة ضده، وهي النقطة التي تقول: ” تجنب كل ما من شأنه إحياء النعرات القبلية أو الجهوية أو العرقية، والابتعاد عن كل ما يمس بالوحدة الوطنية”.
3 ـ نيل ثقة الشركاء الأجانب، وقد زارتنا في مقر المرصد بعثة خبراء الاتحاد الأوروبي وبعثة مركز كندي، وحضر أحد مستشاري سفارة أمريكا في نواكشوط لحفل توقيع ميثاقنا الانتخابي.
في العام 2024، وبعد اللقاء التشاوري الذي نظمته وزارة الداخلية مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، راسلتُ بعض الجهات المعنية، وعبرتُ لها عن استعدادي للمشاركة في أي مرصد يتم تأسيسه، وقدمتُ لتلك الجهات عرضا عن تجربتي الشخصية في مرصد تنظيم من أجل موريتانيا.
توقعتُ أن ألقى ردا إيجابيا، وذلك لأسباب عديدة، لعل من أبرزها:
1 ـ أني أُحْسب على المجتمع المدني الذي يحاول أن يقدم عملا ميدانيا على أرض الواقع، ويفترض أن المجتمع المدني هو المعني الأول بالمرصد؛
2 ـ أن في سيرتي الذاتية المشاركة في تأسيس ورئاسة مرصد لمراقبة الانتخابات قدم عملا ملموسا في انتخابات 2019؛
3 ـ أني لا أحسب على المعارضة، على الأقل في هذا العهد، وإن كنتُ أعتقد أن الانتماء إلى المعارضة يجب أن لا يمنع من عضوية المرصد، بشرط أن يكون العضو المُعَين معارضا كان أو مواليا على استعداد لأن يجعل ولاءه للمرصد قبل ولائه السياسي.
لم أجد من يهتم بتلك المراسلات، ولم أجد من يستشيرني في الموضوع، ويبدو أن الوزارة الأولى لم تستشر كذلك المعارضة ولا أي من المترشحين للرئاسة من قبل الإعلان عن تشكيلة مرصدها، فجاءت نتيجة الإعلان عن المرصد سلبية في مجملها.
فبالإضافة على الحصول على التمويلات من بعض الشركاء، فمن المفترض أن الهدف من تأسيس مرصد لمراقبة الانتخابات هو تعزيز ثقة مرشحي المعارضة في الانتخابات الرئاسية القادمة، ولكن الذي حصل هو العكس تماما، فيكفي أن نتابع البيانات والتعليقات بعد الإعلان عن تشكيلة المرصد، لندرك أن ثقة المعارضة في الانتخابات قد تراجعت عن مستواها المنخفض أصلا بعد الإعلان عن تشكيلة المرصد، وقد كان من الأفضل أن لا يتم أصلا تأسيس مرصد للانتخابات، ما دام سيتم تأسيسه دون أي تشاور مع المعارضة أو مع هيئات المجتمع المدني التي تمتلك خبرة في هذا المجال.
للأسف، هكذا أضرت الوزارة الأولى بالرئيس ومن حيث أرادت أن تنفعه، فالرئيس وهو الذي يتوقع الجميع فوزه في الانتخابات القادمة، ليس بحاجة إلى مرصد مشوه لرقابة الانتخابات يزيد من شكوك منافسيه في شفافية الانتخابات، بل هو بحاجة إلى مرصد حقيقي يتمتع بالحد الأدنى من المصداقية، يستعيد بعض الثقة في المسار الانتخابي.
على كل حال لستُ نادما على أني لم أمنح العضوية في هذا المرصد، فقد كان هدفي الأول والأخير من عضوية المرصد هو استعادة بعض الثقة في العملية الانتخابية، فذلك هو ما كان سيفيد الرئيس، وذلك هو ما كان سيفيد الوطن، لستُ نادما على ذلك، فأنا الآن بإمكاني أن أشارك في الحملة الانتخابية دون أية قيود، وبالطريقة التي أراها مناسبة، والتي أعتقد أنها تخدم الوطن أولا، وتخدم الرئيس ثانيا، والذي أعتبر نفسي أحد داعميه الصادقين والمخلصين.
قد يغيب عن البعض أن هناك نوعا من الدعم قد يتعرض صاحبه لعداء شديد من جهتين متصارعتين في الظاهر، فهناك دعم قد يجعل صاحبه يصنف لدى بعض أغلبية الرئيس على أنه أخطر من المعارضة، وأنه يجب أن يُحارب أكثر منها، ولدي أمثلة دقيقة على ذلك، ولكن التوقيت لا يناسب لكشفها، ويُحارب في الوقت نفسه من طرف المعارضة، بل إنه في بعض الأحيان قد يتعرض لهجوم من المعارضة أشرس من هجومها على الداعمين التقليديين للنظام.
إن من يريد أن يكسب ثقة رئيس الجمهورية بدعم مختلف عن الدعم التقليدي سيجد عداءً شديدا من الأغلبية التقليدية، وإن من يريد أن يكتسب ثقة المواطن بأسلوب مختلف عن المعارضة سيجد عداءً شديدا من المعارضة، ولذا فعلى من يريد أن يكسب وفي وقت واحد ثقة رئيس الجمهورية وثقة المواطن، أن يكون على استعداد لتلقي النيران من جهتين متصارعتين في الظاهر، نيران من بعض الداعمين، ونيران من بعض المعارضين.
كل هذا العداء المزدوج لن يزيدنا إلا تمسكا بخط سياسي داعم، يجمع بين التثمين والنقد، ويضيف لهما ما تيسر من مقترحات، مع النزول إلى الميدان للمساهمة في تغيير الواقع كل ما كان ذلك ممكنا.
آه، نسيتُ أن أقول لكم بأني ومنذ مدة أهتم بمشاكل الشباب، وقد أطلقت برنامجا تدريبيا لاكتشاف وتنمية المواهب الشبابية، وقد استفاد منه حتى الآن العشرات من الشباب، ومع ذلك فلم أجد أي تعاون مع أي وزارة أو أي إدارة حكومية معنية بالشباب، وأعلم مسبقا أن أي تعاون مع المجتمع المدني في هذا المجال سيخصصه المسؤولون في القطاعات المعنية لبعض منظمات الحقائب التي يملكها أقارب أو مهرجين أو أي شخص آخر على استعداد للترويج إعلاميا أو سياسيا لأولئك المسؤولين.
يرفع الرئيس شعار “مأمورية بالشباب ومن أجل الشباب”، ومع ذلك لا تجد عملا ميدانيا لصالح الشباب يساهم به أيُّ من داعمي الرئيس تفعيلا لذلك الشعار المهم.
شكرا للمركز الذي دعمنا في جمعية خطوة في هذا المشروع التدريبي الذي سيساعد في اكتشاف وتنمية المواهب الشبابية في بلادنا.
حفظ الله موريتانيا..
3 دقائق